(1) الرسوم والنقوش وشعار الصليب
يوفر لنا تاريخ الكنيسة أيضاً بيّنات هامة على اعتقاد مسيحيي القرون الأولى الوثيق بصلب المسيح وموته وقيامته?و هو شعار الصليب , وهذا دليل مادّيّ، لا يجوز لأحد أن ينكره، لأنّ لكلّ دين شعاره كالنجمة السداسيّة لليهود، والهلال للمسلمين. وإشارة الصليب عُرِفَت من أقدم عهود المسيحيّة، وقد نقشها المسيحيّون الأوائل على أضرحة الموتى وفي السراديب التي كانوا يجتمعون فيها سرا في زمن الاضطهاد خوفاً من جواسيس الحكومة الرومانية الوثنية.
لقد عمد المسيحيون إلى نقش شعار الصليب على أضرحة موتاهم تمييزاً لها عن أضرحة الوثنيين. فلو لم يكن هؤلاء المسيحيون على ثقة أكيدة من صلب المسيح لما أخذوا الصليب شعاراً لهم? ولا سيما أن الصليب كان رمز عار عند اليهود والرومان على حد سواء. أما الآن بعد صلب يسوع المسيح البار عليه أصبح رمز فخر وإيمان.
لو لم يكن الصليب حقيقة متأصلة في إيمان هؤلاء المسيحيين لما تحملوا من أجله كل اضطهاد واستشهدوا في سبيله. وبعض هؤلاء كانوا شهود عيان لصلب المسيح? والبعض الآخر تسلموا هذه الحقائق من الحواريين أو مما وصل إلى أيديهم من الأناجيل والرسائل المكتوبة التي أوحى بها الروح القدس.
(2) الممارسات العقائدية
الممارسات العقائدية وبالأخص الأفخارستيا التي مارسها السيد المسيح في الليلة التي سلم فيها ذاته فقد احتلت مكانة مرموقة في ممارسات الكنيسة على مر العصور. وترجع أهمية هذه الممارسه العقيدية إلى أنها تعني سفك دم السيد المسيح وصلبه لأجل خلاصنا
ومن الملاحظ أيضاً أن سر المعموديه يمنحنا بركات موت المسيح فداءً عنا ويعطينا ميلادا جديدا من الماء والروح وقد حض السيد المسيح تلاميذه على القيام به (إنجيل متى 28: 19) لنوال هذه النعمه , قد مارسه التلاميذ أنفسهم تطبيقاً لوصية المسيح بالذات. وما برحت الكنيسة تمارسه إلى هذا اليوم
(ثامناً) شهادة الأدلة المادية لصلب وقيامة المسيح:
(1) الكفن المقدس
لا شك أن الكفن المقدس المحفوظ بتورينو بإيطاليا يقدم برهان لا يضحد على قيامة المسيح. لأن كل الذين كفنوا ظلوا فى أكفانهم. الكفن الوحيد الذى قام صاحبه حقا هو كفن الرب. ولو أن التلاميذ سرقوا جسد المسيح أو الشبيه ألم يكن من المنطقى أن ينقلوه بأكفانه.
والواقع أن الأبحاث العلمية على الكفن المقدس أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الكفن خاص بشخص مصلوب ظهرت صورته ثلاثية الأبعاد على الكفن بطريقة إعجازية أثارت حيرة العلماء وأنتهوا إلى أنها نجمت عن تفجر الضوء فى لحظة قيامة الرب وخروجه من الكفن دون أن يحله, وبذلك قدم الكفن شهادة بموت السيد المسيح كما قدم شهادة بقيامته.
وقد أظهرت التحاليل والأشعة وجود آثار دماء من فصيلة غير معروفة فى أماكن الجراحات فى الرسغين والقدمين والجنب كما بينت آثار الجلد وجراحات إكليل الشوك. فإثبتت التحاليل والأشعة صحة رواية الإنجيل عن جراحات المسيح كما قوضت قصة الشبيه لأنه لو كان المصلوب شبيها بالمسيح لكانت دماءه من فصيلة بشرية معروفة. أما وحيث بينت الأبحاث أن دم المسيح لم يكن من فصيلة بشرية معروفة فإن هذا يثبت أن المصلوب هو المسيح لأنه وحده الذى ولد بدون زرع بشر لهذا كان دمه هو الدم الوحيد الذى بلا عيب ولا دنس إذ لم يؤخذ من زرع بشر بل من الروح القدس.
(2) القبر الفارغ
المحقق أن اليهود لا ينكرون صلب المسيح ولكنهم ينكرون قيامته وذلك رغم القبر الفارغ الذى يشهد إلى اليوم بقيامة المسيح.
فالختوم التى ختم بها رؤساء اليهود قبر المسيح والحراسات الرومانية التى أقاموها حوله لم تستطع أن تحول وإعلان القيامة بل على العكس أثبتتها إذ لم يستطيعوا أن يقدموا للعالم جثة المسيح فزعموا أن تلاميذه جاءوا ليلا وسرقوه رغم الختوم والحراسات.
فإذا كان الذى صلب هو شبيه للمسيح فأين جثته ولماذا صار القبر فارغا. هل قام من الموت أم سرقت جثته. فإن كان الذى صلب ودفن وسرقت جثته ليس هو المسيح فنور من الذى يشرق من القبر سنويا فى ذكرى القيامة المجيدة.
(3) إنطلاق النور من قبر المسيح فى سبت النور من كل عام
يشهد بحقيقة القيامة المجيدة إنبعاث النور من قبر المسيح بأورشليم عند الإحتفال بهذه الذكرى فى سبت النور سنويا.
(4) إخراج الشياطين باسم الرب يسوع المسيح
يشهد بحقيقة الصلب أيضا قوة الصليب وتأثيره على المعترين بالشياطين والأرواح النجسة
(5) ظهورات العذراء فى مختلف أنحاء العالم
ويشهد بصحة الإيمان المسيحى الظهورات المتكررة للعذراء مريم فوق قباب الكنائس الرسولية فى مختلف أنحاء العالم.
يوسيفوس (37-97 م) هذا ذكر في كتابه “التواريخ” ما بين سنتي 90-95 م فقرة عن صلب المسيح. ويبدو أن هذه الفقرة قد أثارت حولها جدلاً بين علماء المخطوطات إذ اعتقد بعضهم أن هذه الفقرة قد تلاعبت بها أيدي بعض المسيحيين المتطرفين لما جاء فيها من تقريظ للمسيح لا يمكن أن يصدر عن يهودي. ولكن في عام 1972 نشرت مخطوطة عربية يرجح العلماء أنها ترجمة دقيقة للنص الأصلي وقد جاء فيها:
“وفي ذلك الوقت كان هناك رجل حكيم يُدعى يسوع اشتهر بحسن السلوك وبالتقوى فتبعه عدد غفير من بين اليهود والأمم الأخرى. غير أن بيلاطس البنطي حكم عليه بالموت صلباً. أما الذين تبعوه فلم يتخلوا عن تلمذتهم له. وادعوا أنه قد ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وأنه حيّ. وبناء عليه فقد يكون هو المسيح الذي عزا إليه الأنبياء أشياء عجيبة”.
إن شهادة يوسيفوس هذه قد سبقت شهادة أغلبية المؤرخين الوثنيين. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن يوسيفوس قد اشتهر بين أقرانه بالموضوعية? وأنه عالج هذه الواقعة التاريخية من خلال المعطيات اليهودية تبين لنا أن هذا النص هو نص تقريري جدير بالثقة.
وضع يوسيفوس المؤرخ اليهودى الشهير عدة مؤلفات أشهرها " ضد أبيون " و" حروب اليهود " و" آثار اليهود " وأورد فى كتابه الأخير فقرة أشار فيها إلى يسوع بقوله:
" كان في ذلك الوقت رجل حكيم اسمه يسوع، لو كان لنا أن ندعوه رجل، لأنه كان يصنع العجائب وكان معلماً لمن كانوا يتقبلون الحق بابتهاج. وجذب إليه الكثيرين من اليهود والأمم على حد سواء.. وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلب، بإيعاز من رؤسائنا لم يتركه أتباعه الذين أحبوه من البداية.. وجماعة المسيحيين، المدعوين على اسمه، مازالوا موجودين حتى هذا اليوم.