الفصل الثالث - شهادة القرآن الكريم لعدم تحريف الكتاب المقدس

 images

    إذا أردنا أن نرد على المعترضين بآيات من بالقرآن الكريم تثبت صحة الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) وعدم تحريفه لزم أن نسألهم سؤالا هاما وهو:

    متى حدث التحريف بحسب رأيكم؟

    هل قبل زمن محمد؟          أم بعد عصر محمد؟           دعنا نناقش ذلك. 

الادعاء الأول

هل حدث التحريف  قبل زمن النبي محمد؟

    يقول أصحاب هذا الرأي أن الكتاب المقدس قد حرف قبل زمن النبي محمد. فقد أخذ دعاة الإسلام يشكك في صحة الكتاب المقدس بناء على أن أقدم نسخة خطية للتوراة موجودة الآن تعود إلى القرن الأول ق.م وأن عصر موسى كان في القرن 13 ق.م. وادعائه هو: من يضمن أن التوراة لم تحرف في الفترة التي قبل القرن الأول ق.م.

    والحقيقة أن الرد على هذا الاعتراض في منتهى البساطة وهو موجود في القرآن نفسه. فالقرآن يشهد بصحة الكتاب المقدس وأنه هو كلام الله المنزل والموحى به، وأنه لم يتغير أو يتحرف كما يتضح مما يلي:

أولا: القرآن يشهد لصدق وصحة الكتاب المقدس

الذي كان موجودا في زمن النبي محمد:

 

1ـ سورة المائدة (47): "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق، مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه".

       ما معنى: مصدقا لما بين يديه؟ وما المقصود بالكتاب؟  وما معنى مهيمنا عليه؟

      وقد أجمع المفسرون أن الله قد أنزل القرآن بالحق "مصدقا لما بين يديه" أي يصدق على ما جاء بالكتاب الموجود في زمن محمد أي التوراة والإنجيل و[مهيمنا عليه] أي شاهدا له [تفسير الجلالين لهذه الآية من سورة المائدة].

2ـ سورة أل عمران (3):

     "نَزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وانزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس" .

3ـ يونس(37):

    "وما كان هذا القرآن أن يُفتري من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه" .

    وقد ورد بالقرآن 12 آية تشهد أن القرآن يصادق على الكتاب المقدس الذي مع أهل الكتاب في زمن محمد [وللمزيد عما ذكرنا من آيات، ارجع إلى سور: البقرة 41، 89، 91، 97، والنساء46، والأنعام92، ويوسف111، وفاطر31، والأحقاف22] فلو كان الكتاب المقدس محرفا لما قيل أن القرآن مصدقا له وشاهدا على صحته وإلا كان ذلك طعنا في القرآن واتهاما له بالتزوير، فهل يقبل أيُّ مسلم ذلك في حق القرآن الكريم؟

 

ثانيا: القرآن يوضح أن الله يأمر النبي محمد

والمسلمين بالرجوع إلى الكتاب المقدس:

 

(1) الله يحيل النبى محمد إلى الكتاب المقدس ليزيل ما عنده من شك في القرآن نفسه:

    سورة يونس (94):

     "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين  يقرأون الكتاب من قبلك"    [تعاد للتأكيد]

         ما معنى هذا الكلام؟ معناه أنه إن كان محمد في شك من القرآن الذي أنزل إليه، فعليه أن يسأل اليهود والنصارى الذين عندهم الكتاب من قبله، وفي هذا شهادة لصحة الكتاب حتى زمنه وإلا ما قيل له أن يسألهم، لأنه منطقيا كيف يسأل أصحاب كتاب محرف؟

(2) ويأمر النبي محمد بالاقتداء بالكتاب المقدس والأنبياء الذين هداهم:

    سورة الأنعام (90) "وأولئك الذين آتيناهم الكتاب والحُكْم والنبوة … أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقْتدِه"

ويوضح مجمع اللغة العربية في المعجم الوسيط معنى كلمة اقتده بالقول: [يفعل مثل فعله أي يقتدي به وفي التنزيل العزيز "فبهداهم اقتده"] (المعجم الوسيط الجزء الثاني ص 720)

     فلو كان الكتاب المقدس محرفا في زمن محمد فكيف يأمره أن يقتدي بهداه؟؟؟

(3) ويأمرهم بالرجوع إلى أهل الذكر أي أهل الكتاب ليتعلموا منهم إن كانوا لا يعلمون!

سورة النحل (43): "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر"

        فلو كان الكتاب محرفا في زمن النبي محمد هل كان يأمرهم بالرجوع إلى أهل الكتاب؟؟؟

  ثالثا:الآيات التي تثبت أن محمدا كان يستشهد

 

بالتوراة والإنجيل الذي كانا في عهده وهذا دليل على صحتهما:

 

1ـ سورة القصص (49): "قل: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما فأتَّبعُه

 

ما أقوى هذه الشهادة!! ففي هذه الآية القرآنية الكريمة: أن الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) هو من عند الله. وأنه صادق ليتبعه محمد.

2ـ سورة المائدة (70): "قل: يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم" فهو هنا يطلب من اليهود والنصارى أن يحكموا التوراة والإنجيل ويقول بما أنزل الله فيهّ!!!! أليس في هذا شهادة قوية على صحة الكتاب وعدم تحريفه في زمن النبي محمد؟؟؟

3ـ سورة المائدة (45):

  "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله".

     تشهد هذه الآية للتوراة التي كانت في زمن محمد بأن فيها حكم الله أي يشهد بصحتها، وإلا ما كان قد قال هذا الكلام.

4ـ المائدة (47):

     "وليحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه".

وهذه الآية أيضا تشهد بصحة الكتاب المقدس في زمن محمد لأنه يستشهد به ويطلب من النصارى أن يحكموا بما أنزل الله فيه.

فإن كان الكتاب المقدس محرفا فكيف كان النبي محمد يستشهد به. هل يستشهد بكتاب محرف؟؟؟ أليس استشهاده بالكتاب المقدس دليل على أنه كان سليما غير محرف في زمانه؟؟؟

رابعا: القرآن يشهد بأن أهل الكتاب حافظوا عليه

وكانوا شهودا عليه حتى زمن محمد:

 

1ـ سورة المائدة (44): "وإنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا، والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء"

ما معنى هذه الآية وخاصة "النبيون الذين أسلموا" يقول المفسرون أنهم الأنبياء الذين سلموا حياتهم لإرادة الله (تفسير الإمام عبد الله يوسف على ص 261 ) [وطبعا لا يعني الأنبياء السلمين أولا لأنه لا يوجد سوى نبي واحد للإسلام وثانيا لأن الإسلام لم يكن قد ظهر بعد]. فهؤلاء الأنبياء يحكمون على اليهود أي يرشدونهم بما في التوراة من هدى ونور.

   وأهم ما في الآية هو أن الأنبياء والربانيين (أي المعلمون لأن ربوني بالعبرية معناها معلم بالعربية، وفي المعجم الوسيط ص 321 (الرباني هو: الذي يعبد الله، و الكامل العلم والعمل) والأحبار (هم العلماء) [المعجم الوسيط ص 151]

تقول الآية الكريمة أن هؤلاء جميعا قد استؤمنوا على حفظ كتاب الله والشهادة لصحته (تفسير القرآن الكريم للإمام عبد الله يوسف علي ص 261و262)

 

2ـ سورة البقرة (146) وسورة الأنعام (20): "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"

 

3ـ  سورة البقرة (121) "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون"

   معنى يقرأونه حق تلاوته كما فسر الجلالان: "يقرؤونه كما أنزل" إذن فليس هو محرف لأنهم في زمن محمد كانوا يقرأونه كما أنزل.

   رأيت يا عزيزي المستمع أن الكتاب المقدس حتى زمن محمد لم يكن محرفا بشهادة هذه الآيات الواضحة والصريحة.

الادعاء الثاني

حدوث التحريف بعد زمن محمد

    يوجد فريق آخر من المشككين في صحة الكتاب المقدس، وقد ثبت لهم أن ما يقوله الفريق الأول من المدعين بوقوع التحريف قبل زمن النبي محمد هو ادعاء باطل بحسب ما أوضحنا من أدلة وبراهين من آيات القرآن الكريم نفسه، فقالوا لا بل حدث التحريف بعد زمن محمد!!!

    وللرد على هذا الادعاء نورد ما يشهد به القرآن الكريم عن بطلان هذا الادعاء أيضا:

 

 

أولا: القرآن الكريم يشهد أن الكتاب المقدس

هو ذكر من عند الله ولذلك فهو يحفظه من التحريف:

 

(1) القرآن يشهد أن الكتاب المقدس ذكر من عند الله:

1ـ سورة الأنبياء (7):

      "وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون"

      ما معنى الذكر؟ يجيب الإمام عبد الله يوسف علي في (تفسيره ص648) [الذكر هو الرسالة التي من الله] وقد تكررت هذه الآية بنفس ألفاظها في:

2ـ سورة النحل (43): 

     "وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون"

        بهذا يتأكد لك أن الكتاب المقدس هو ذكر من عند الله.

(2) والقرآن يشهد أن الله يحفظ الذكر من التحريف:

سورة الحِجْر (9): "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"

يجدر الإشارة هنا إلى اسم السورة فالبعض ينطقها خطأ بسورة الحَجَر، ولكن النطق السليم لها هو سورة الحِجْر (انظر آية 80 من نفس السورة)، نسبة إلى جبل الحِجْر على بعد 150 ميل شمال المدينة المنورة وهي ما كانت تعرف بمنطقة تمود (تفسير القرآن للإمام عبد الله يوسف علي ص 632) [ما علينا]

الواقع أن الذين يطعنون في صحة الكتاب المقدس المنزل من الله ذكرا ونورا وهدى،  إنما يطعنون في القرآن نفسه الذي يقول أن الله يحفظ الذكر، فلو كان الكتاب المقدس قد حرف يكون الله لم يستطع أن يحفظه. وينسب إلى القرآن عدم الصحة بل والتحريف! فهل يقبل أي مسلم ذلك؟؟؟

 

 

ثانيا: الآيات القرآنية تشهد أن القرآن نفسه

يحفظ الكتاب المقدس من التحريف:

 

1ـ سورة المائدة (48):

"وأنزلنا  إليك الكتاب (أي القرآن الكريم) بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب (أي الكتاب المقدس التوراة والإنجيل) ومهيمناً عليه.

ما معنى مهيمنا عليه؟ يقول المفسرون الأفاضل أن معنى مهيمنا عليه هو: حافظ له من التحريف. (انظر تفسير الإمام عبد الله يوسف علي ص 263)

فلو صح قول المعترضين بأن الكتاب المقدس محرف، فإنهم في الواقع يطعنون في القرآن الكريم نفسه بأنه لم يستطع أن يهيمن على الكتاب المقدس بحسب نص هذه الآية، وهذا طعن في صحتها ‍‍‍‍!! وحيث أنهم لا يقبلون الطعن في صحة آيات القرآن الكريم إذن فليس أمامهم إلا أن يتراجعوا عن ادعائهم الذي يدعونه بتحريف الكتاب المقدس.

ثالثا: القرآن يشهد أن الكتاب المقدس

هو كلام الله، ولذلك لا يمكن تحريفه أو تبديله:

 

(1) القرآن يشهد أن الكتاب المقدس هو كلام الله المنزل:

1ـ سورة العنكبوت (46): "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن … وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وانزل إليكم وألهنا وإلهكم واحد"

2ـ سورة النساء (135): "يا أيها الذين آمنوا ، آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل (أي التوراة والإنجيل)، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا"

   [وانظر أيضا سورة المائدة 44،46،47،68/ وسورة البقرة 87،146/ وسورة الإسراء2،55/ وسورة الأنعام 92،156/ وسورة المؤمنون 49/ وسورة النساء 163/ وسورة فاطر 25/ وسورة النحل 43/ والأنبياء 25/ والحديد 27/ والعنكبوت 46/ ويونس 94] وكلها تشهد أن الكتاب المقدس منزل من الله.

 وبما أن الكتاب المقدس منزل من عند الله إذن فهو كلامه. فكيف يقول المعترضون أن كلام الله قد حرف؟؟ ألا يطعنون أيضا بهذا الكلام في القرآن نفسه الذي يقول أنه لا تبديل لكلمات الله؟!

 

(2) القرآن يشهد أن كلام الله المنزل لا يمكن تبديله:

1ـ سورة يونس (64): "لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم"

2ـ سورة الأنعام (34): "ولقد كُذَّبَت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذُوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله"

وخطورة هذه الآية يكمن في أن القول "لا مبدل لكلمات الله لم تقل بخصوص القرآن الكريم في هذه الآيه بل بخصوص الأنبياء الذين قبل محمد إذن فهي تخص الكتاب المقدس" وهذه شهادة قوية على أن الكتاب المقدس لم يتبدل ولم يتغير ولم يحرف.

     [وانظر أيضا سورة الكهف (27)]

    هذه الآيات تقول بصريح العبارة أن كلام الله لا يمكن أن يتغير أو يتبدل.

ملخص

    نستطيع الآن أن نلخص ما قلناه:

أولا: أن ادعاء تحريف الكتاب المقدس ادعاء باطل:

1ـ لأن القرآن شهد بصحته وعدم تحريفه حتى زمن النبي محمد.

2ـ وأن القرآن يوضح أن الله أمر النبي محمد والمسلمين بالرجوع إلى الكتاب المقدس الموجود بين أيديهم.

3ـ استشهاد النبي محمد بالتوراة والإنجيل الموجودان في عهده.

4ـ شهادة القرآن بأن أهل الكتاب اليهود والنصارى قد حافظوا عليه وكانوا شهودا له حتى زمن محمد.

ثانيا: أن ادعاء تحريف الكتاب المقدس بعد زمن النبي محمد باطل أيضا:

1ـ لأن القرآن الكريم يشهد أن الكتاب المقدس هو ذكر من عند الله ويشهد أن الله يحفظ الذكر من التحريف.

2ـ شهادة الآيات القرآنية بأن القرآن نفسه مهيمنا على الكتاب المقدس ويحفظه من التحريف.

3ـ القرآن الكريم يشهد أن الكتاب المقدس هو كلام الله وأن الله يحفظ كلامه من التحريف.

بناء عليه

لا يمكن أن الكتاب المقدس يتحرف أو يتبدل، وإلا وقع المعترض المسلم في المحظور وهو الطعن في كتابه بعدم صحة ما يقول.

فالأفضل للمعترض أن يتراجع عن اتهام الكتاب المقدس بالتبديل والتحريف، وكفى الله المؤمنين شر القتال.